|
اِعْلَمْ
أَنَّ الدَّوْلَةَ تَنْتَقِلُ فِي أَطْوَارٍ مُـخْتَلِفَةٍ وَحَالاَتٍ
مُتَجَدِّدَةٍ. وَيَكْتَسِبُ القَائِمُونَ بِهَا فِي كُلِّ طَوْرٍ خُلُقًا مِنْ
أَحْوَالِ ذَلِكَ الطَّوْرِ لاَ يَكُونُ مِثْلُهُ فِي الطَّوْرِ الآخَرِ [...].
وَحَالاَتُ الدَّوْلَةِ وَأَطْوَارُهَا لاَ تَعْدُو
فِي الغَالِبِ خَمْسَةَ أَطْوَارٍ.
الطَّوْرُ
الأَوَّلُ طَوْرُ الظَّفَرِ بِالبُغْيَةِ وَغَلَبِ
الـمُدَافِعِ وَالـمُمَانِعِ وَالاسْتِيلاَءِ عَلَى الـمُلْكِ وَانْتِزَاعِهِ
مِنْ أَيْدِي الدَّوْلَةِ [...]. الطَّوْرُ الثَّانِي طَوْرُ الاسْتِبْدَادِ*
عَلَى قَوْمِــهِ**
وَالْانْفِرَادِ
دُونَهُمْ بِالـمُلْكِ. وَيَكُونُ صَاحِبُ الدَّوْلَةِ فِي هَذَا الطَّوْرِ
مَعْنِيًّا بِـاصْطِنَاعِ الرِّجَالِ
وَاتِّـخَاذِ الـمَوَالِي وَالصَّنَائِعِ
وَالاسْتِكْثَارِ مِنْ ذَلِكَ لِـجَدْعِ أُنُوفِ أَهْلِ عَصَبِيَّتِهِ
وَعَشِيرَتِهِ [...]. الطَّوْرُ الثَّالِثُ طَوْرُ الفَرَاغِ وَالدَّعَةِ لِتَحْصِيلِ ثَـمَرَاتِ الـمُلْكِ
مِـمَّا تَنْزَعُ طِبَاعُ البَشَرِ إِلَيْهِ مِنْ تَحْصِيلِ الـمَالِ
وَتَخْلِيدِ الآثَارِ وَبُعْدِ الصِّيتِ. فَيَسْتَفْرِغُ وُسْعَهُ فِي الجِبَايَةِ وَإِحْصَاءِ النَّفَقَاتِ وَالقَصْدِ فِيهَا وَتَشْيِيدِ الـمَبَانِي
الحَافِلَةِ وَالـمَصَانِعِ العَظِيمَةِ وَالأَمْصَارِ الـمُتَّسِعَةِ
وَالـهَيَاكِلِ الـمُرْتَفِعَةِ. هَذَا مَعَ التَّوْسِعَةِ عَلَى صَنَائِعِهِ
وَحَاشِيَتِهِ فِي أَحْوَالِـهِمْ بِالـمَالِ وَالجَاهِ وَاعْتِرَاضِ جُنُودِهِ وَإِدْرَارِ
أَرْزَاقِهِمْ. فَيُبَاهِي بِهِمِ الدُّوَلَ الـمُسَالِـمَةَ، وَيُرْهِبُ
الدُّوَلَ الـمُحَارِبَةَ. وَهَذَا الطَّوْرُ آخِرُ أَطْوَارِ الاسْتِبْدَادِ
مِنْ أَصْحَابِ الدَّوْلَةِ لِأَنَّهُمْ فِي هَذِهِ الأَطْوَارِ كُلِّهَا
مُسْتَقِلُّونَ بِآرَائِهِمْ بَانُونَ لِعِزِّهِمْ مُوضِحُونَ الطُّرُقَ لِـمَنْ
بَعْدَهُمْ.
الطَّوْرُ
الرَّابِعُ طَوْرُ القُنُوعِ
وَالـمُسَالَـمَةِ. وَيَكُونُ صَاحِبُ الدَّوْلَةِ فِي هَذَا قَانِعًا بِـمَا
بَنَى أَوَّلُوهُ سِلْمًا لِأَنْظَارِهِ
مِنَ الـمُلُوكِ وَأَقْتَالِهِ مُقَلِّدًا لِلْمَاضِينَ مِنْ سَلَفِهِ [...].
الطَّوْرُ الخَامِسُ طَوْرُ الإِسْرَافِ وَالتَّبْذِيرِ. وَيَكُونُ صَاحِبُ
الدَّوْلَةِ فِي هَذَا الطَّوْرِ مُتْلِفًا لِـمَا جَمَعَ أَوَّلُوهُ فِي
سَبِيلِ الشَّهَوَاتِ وَالـمَلاَذِّ وَالكَرَمِ عَلَى بِطَانَتِهِ وَفِي مَـجَالسِهِ
[...].
فَيَكُونُ مُـخَرِّبًا لِـمَا كَانَ سَلَفُهُ يُؤَسِّسُونَ وَهَادِمًا لِـمَا
كَانُوا يَبْنُونَ. وَفِي هَذَا الطَّوْرِ تَحْصُلُ فِي الدَّوْلَةِ طَبِيعَةُ
الـهَرَمِ، وَيَسْتَوْلِي عَلَيْهَا الـمَرَضُ الـمُزْمِنُ الَّذِي لاَ تَكَادُ
تَخْلُصُ مِنْهُ وَلاَ يَكُونُ لَـهَا مَعَهُ بُرْءٌ إِلَى أَنْ تَنْقَرِضَ [...].
❀ المُقدِّمةُ، عبدُ الرّحْمانِ بنُ خَلدُون،
دار الجيل، بيروت، د.ت ❀
❀ صص: 194-195، (بتصرّف) ❀
*الاِسْتِبْدَادُ:
يَعْنِي هُنَا قُوَّةَ الحَاكِمِ وَاِنْفِرَادَه بِالسُّلْطَةِ وَغَلَبَةَ الخُصُومِ
وَالأَعْدَاءِ.
**ضَمِيرُ الغَيْبَةِ (ـه): يَعُودُ عَلَى صَاحِبِ
الـمُلْكِ خَلِيفَةً كَانَ أَوْ مَلِكًا أَوْ سُلْطَانًا أَوْ
إِمْبَرَاطُورًا...
الشّرح المعجميّ:
· تَعْدُو: تُـجَاوِزُ. ·
غَلَبٌ: غَلَبَةٌ، قَهْرٌ. · الاصْطِنَاعُ: الاِتِّخَاذُ، اِخْتِيَارُ الأَعْوَانِ الـمُنَاسِبِينَ
لِنَفْسِهِ. · الـمَوَالِي:
العَبِيدُ، الخَدَمُ، الحُلَفَاءُ، التَّابِعُونَ. · الدَّعَةُ:
السَّكِينَةُ، الرَّاحَةُ، لِينُ العَيْشِ. · الجِبَايَةُ: جَمْعُ
الضَّرَائِبِ. · القَصْدُ:
التَّوَسُّطُ فِي النَّفَقَةِ بَيْنَ الإِفْرَاطِ وَالتَّقْتِيرِ. · الاعْتِرَاضُ: عَرْضُ الـجُنُودِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، هُوَ مَا يُعَادِلُ
الاسْتِعْرَاضَ العَسْكَرِيَّ فِي عَصْرِنَا. · الإِدْرَارُ:
إِكْثَارُ الرِّزْقِ عَلَيْهِمْ. · القُنُوعُ: الرِّضَا بِمَا وُجِدَ. · سِلْمًا: مُسَالِمًا، مُهَادِنًا، مُنْصَرِفًا عَنِ القِتَالِ. ·
1- اِسْتعمَلَ
الكاتبُ صيغةَ الأمرِ "اِعْلَمْ" في بدايةِ النّصّ. عَرِّفْ هذا الأسلوبَ مُحلِّلاً
إيّاه: (1،5ن)
.....................................................................................................................
.....................................................................................................................
2- اِسْتخرجِ
الأطوارَ الخمسةَ مِن حياةِ الدّولة مُعرِّفا إيّاها بلُغتِكَ الخاصّة: (3ن)
.....................................................................................................................
.....................................................................................................................
.....................................................................................................................
.....................................................................................................................
.....................................................................................................................
3- هل تَعْتقِدُ أنّ الأطوارَ
الخمسةَ مِن عُمْرِ الدّولةِ مسألةٌ حتميّة لا مَناصَ منها؟ عَلِّلْ جوابَك: (2ن)
.....................................................................................................................
.....................................................................................................................
.....................................................................................................................
.....................................................................................................................
4- اِسْتنبِطْ مِن النّصِّ ما
يؤكِّدُ حِيادَ الكاتبِ وموضُوعيّةَ بَـحْثِه العِلميّ: (2،5ن)
.....................................................................................................................
.....................................................................................................................
.....................................................................................................................
.....................................................................................................................
5- اِشْرحِ
العباراتِ التّاليةَ مُسْتعِينا بِسياقِها في النّصّ: (3ن)
-
لِـجَدْعِ
أُنُوفِ أَهْلِ عَصَبِيَّتِهِ (سطر 5):
.....................................................................
-
لِتَحْصِيلِ
ثَـمَرَاتِ الـمُلْكِ (سطر 6):
.......................................................................
-
يُرْهِبُ
الدُّوَلَ الـمُحَارِبَةَ (سطر 9):
.........................................................................
-
لاَ يَكُونُ
لَـهَا مَعَهُ بُرْءٌ (سطر 15):
.........................................................................
6- أَنْتِجْ
فقرةً لا تتجاوزُ خمسةَ عشَرَ سطْرا [15] تُحلِّلُ
فيها الأطرُوحةَ التّاليةَ: (7ن)
«سَاهَـمَتِ الحَضَارَةُ العَرَبِيَّةُ الإِسْلاَمِيَّةُ، كَغَيْرِهَا
مِنَ الحَضَارَاتِ، فِي أَغْلَبِ مَـجَالاَتِ البَحْثِ العِلْمِيِّ. لَكِنْ
غَالِبًا مَا يُنْكَرُ فَضْلُ عُلَمَائِهَا عَلَى الإِنْسَانِيَّةِ. بَيِّنْ
بَعْضَ الـمُسَاهَـمَاتِ العِلْمِيَّةِ الجَلِيلَةِ لِلْعربِ الـمُسْلمِينَ
مُفَسِّرًا سَبَبَ الجُحُودِ والنُّكْرَانِ والتَّجَاهُلِ الَّذِي يَلْقَوْنَهُ
اليوْمَ مِنَ الغَرْبِ».
......................................................................................................................
......................................................................................................................
......................................................................................................................
......................................................................................................................
......................................................................................................................
......................................................................................................................
......................................................................................................................
......................................................................................................................
......................................................................................................................
......................................................................................................................
......................................................................................................................
......................................................................................................................
......................................................................................................................
......................................................................................................................
......................................................................................................................
......................................................................................................................
......................................................................................................................
......................................................................................................................
......................................................................................................................
d نقطة [1]
على
وُضوحِ الخطِّ ونَظافةِ الوَرقة c
v{ عَـــمــــــــــــــــــــلاً
مُـوفَّـــــــــــــــــــــقًا {v
|
الأستاذة: فوزيّة الشّطّي، إصلاح: الفرض العاديّ 1: دراسة
نصّ، 4 ريا، ق.حنّبعل، 2016.12.05
|
1- اِسْتعمَلَ الكاتبُ صيغةَ الأمر "اِعْلَمْ" في بدايةِ النّصّ. عَرِّفْ هذا الأسلوبَ مُحلِّلا
إيّاه: (5،1ن)
خَاطب الكاتبُ قارئَ نصِّه مباشرةً عبرَ صيغةِ
الأمر "اِعْلَمْ" مِنْ أوّلِ جملة. ويُسمَّى هذا الأسلوبُ
اسْتِدراجَ المخاطَب: به يُدمِجُ المتكلّمُ المتلقّيَ في سياق النّصّ ليُقوّيَ
تفاعلَه معه أو يسهُلَ عليه إقناعُه.
2- اِسْتخرجِ
الأطوارَ الخمسةَ مِن حياةِ الدّولة مُعرِّفا إيّاها بلُغتِكَ الخاصّة: (3ن)
قَسّم ابنُ خلدون حياةَ الدّول إلى أطوارٍ خمسة
تُصنَّف صنفيْن كبيريْن: ① أطوارُ
الاستقلالِ والبناء: أوّلُها الظّفرُ
بالبُغية: أيْ السّيطرةُ على العرشِ بالقوّة. ثانيها
الاستبدادُ بالحكم: أيْ تصفيةُ المنافسين والأعداء. ثالثُها
الفراغُ والدّعةُ: أيْ التّمتّعُ بمزايا الملْكِ وغنائمِه. ② طورا
الضّعفِ والانحطاط: أوّلُهما القنوعُ
والمسالمةُ: أيْ الرّضَا بالموجودِ والتّوقّفُ عن تحصينِ الـمُلْك. ثانِيهما الإسرافُ والتّبذيرُ: أيْ إتلافُ ما جنى
الأسلافُ وهدمُ ما بنَوْه عَجْزًا أو جَهْلا.
3- هل تَعْتقِدُ أنّ الأطوارَ
الخمسةَ مِن عُمْرِ الدّولةِ مسألةٌ حتميّة لا مَناصَ منها؟ عَلِّلْ جوابَك: (2ن)
أ- أرى أنّ هذه المراحلَ الخمسة مسألةٌ
حتميّة لا مناصَ منها. إذْ أثبتَ التّاريخُ الإنسانيّ أنّ أقوى الإمبراطوريّات
قد نشأت صغيرةً ضئيلةَ الشّأن بفضل زعيمٍ، عسكريٍّ أو سياسيّ أو دينيّ، عظيمِ الموهبة
وقّادِ العزيمة. ثمّ نَمتْ تدريجيّا إلى أن اشتدَّ بأسُها. لكنْ تسرّبَ إليها
الهرمُ شيئا فشيئا حتّى أهلكَها. حسْبُنا 'الإمبراطوريّةُ
الرّومانيّة' دليلاً على ما نقول.
ب- لا أعتقد أنّ هذه الأطوارَ الخمسةَ
شرٌّ لا بدَّ مِنه. صحيحٌ أنّ العصورَ الماضيةَ أكّدتْ صِدْقَ هذه الحتميّةِ
التّاريخيّة. لكنْ لا شيءَ يقفُ حاجزا أمام طموحِ الإنسان ورغبتِه الجامِـحة في
الكمال. فقد يجدُ في قادمِ الأجيال العلاجَ النّاجعَ الّذي يُشفِي الدّولَ مِن
طبائعِ الهرم والخللِ والتّفسُّخ الّتي تصيبُها حتّى تقضيَ عليها.
[ملاحظة:
يَـحقُّ للتّلميذِ أنْ يتّخذَ الموقفَ الّذي يريدُ. ويُحاسَبُ على جَودةِ
الصِّياغة وحُسنِ التّعليل].
4- اِسْتنبِطْ
مِن النّصِّ ما يؤكِّدُ حِيادَ الكاتبِ وموضُوعيّةَ بَـحْثِه العِلميّ: (5،2ن)
ألفيْنا
ابنَ خلدون مُحايِدا وموضوعيّا في بحثِه العلميّ هذا. إذْ عمدَ إلى صيغةِ
التّعميم في حديثِه عن 'الدّولةِ' وعن 'صاحب الـمُلْك'. ولم يُخصِّصْ أيَّا مِنهما ولو على سبيلِ ضَرْبِ
الأمثلة. تعمّدَ ذلك كيْ ينطبقَ بحثُه على تاريخِ الأممِ جميعِها بـمَن فيها
أمّتُه العربيّةُ الإسلاميّة. فالبحثُ لا يكون علميّا إلاّ إذا تخلّصَ مِن
عصبيّةِ الانتماء، عِرقيّةً كانتْ أو عقائديّة أو سياسيّة، كيْ يبلغَ ما تيسّرَ
مِن الحقيقةِ التّاريخيّة.
5- اِشْرحِ العباراتِ
التّاليةَ مُسْتعِينا بِسياقِها في النّصّ:(3ن)
- لِـجَدْعِ أُنُوفِ أَهْلِ عَصَبِيَّتِهِ (سطر
5):
لِإذْلاَلِ أَقَارِبِهِ الـمُنَافِسِينَ وَالطَّامِعِينَ فِي العَرْشِ
وَتَحْطِيمِ عَزَائِمِهِمْ... (0،75)
- لِتَحْصِيلِ
ثَـمَرَاتِ الـمُلْكِ (سطر 6):
لِـجَنْـيِ غَنَائمِ السُّلْطَةِ وَالاِسْتِمْتَاعِ بِهَا مَالاً كَانَتْ أَوْ
نُفُوذًا أَو مُتَعًا... (0،75)
-
يُرْهِبُ الدُّوَلَ الـمُحَارِبَةَ (سطر 9):
يُخِيفُ الدُّوَلَ العَدُوَّةَ الَّتِي قَدْ تُفَكِّرُ فِي قِتَالِهِ... (0،75)
-
لاَ يَكُونُ
لَـهَا مَعَهُ بُرْءٌ (سطر 15):
لاَ تَسْتَطِيعُ الدَّوْلَةُ التَّعَافِـيَ (الشِّفَاءَ) إِطْلاَقًا مِنْ دَاءِ الـهَرَمِ...
(0،75)
6- أَنْتِجْ
فقرةً مِنْ خمسةَ عشَرَ سطْرا [15] تُحلِّلُ
فيها الأطرُوحةَ التّاليةَ: (7ن)
«سَاهَـمَتِ
الـحَضَارَةُ العَرَبِيَّةُ الإِسْلاَمِيَّةُ، كَغَيْرِهَا مِنَ الـحَضَارَاتِ،
فِي أَغْلَبِ مَـجَالاَتِ البَحْثِ العِلْمِيِّ. لَكِنْ غَالِبًا مَا يُنْكَرُ
فَضْلُ عُلَمَائِهَا عَلَى الإِنْسَانِيَّةِ. بَيِّنْ بَعْضَ الـمُسَاهَـمَاتِ
العِلْمِيَّةِ الجَلِيلَةِ لِلْعَرَبِ الـمُسْلِمِينَ مُفَسِّرًا سَبَبَ
الجُحُودِ وَالنُّكْرَانِ وَالتَّجَاهُلِ الَّذِي يَلْقَوْنَهُ اليَوْمَ مِنَ
الغَرْبِ».
...........................................................................
❀ لا
يستطيعُ مؤرّخٌ نزيهٌ أنْ يتجاهلَ ما سَاهَـمَتْ به الحَضَارَةُ العَرَبِيَّةُ
الإسْلاَمِيَّةُ، كَغَيْرِهَا مِنَ الحَضَارَاتِ، في أَغْلَبِ مَـجَالاَتِ
البَحْثِ العِلْمِيِّ. لَكِنْ غَالِبًا مَا يُنْكَرُ فَضْلُ عُلَمَائِهَا عَلَى
الإنْسَانِيَّةِ. فما هي أهمُّ الـمُسَاهماتِ العِلْميّة الجَلِيلَة لِلْعربِ
الـمُسْلمِين؟ وما سببُ الـجُحُودِ والنُّكْرَانِ والتَّجَاهُلِ الَّذِي
يَلْقَوْنَهُ اليوْمَ مِنَ الغَرْبِ؟
❀ أمّا الاختراعاتُ العلميّةُ لدى العربِ المسلمين فلا حصرَ لها. حَسْبُنا
أن ننتقيَ أمثلةً مُـميَّزة. مِن هؤلاءِ المهندسُ 'بديعُ
الزّمان الجزريّ' الّذي اخترعَ مضخّةَ ماءٍ
ذاتيّةَ الحركةِ تعملُ دون قوّةِ دفْعٍ خارجيّة (بشريّةٍ أو حيوانيّة). ومثّلَ
هذا الاختراعُ الأوّلُ مِن نوعه قفزةً عملاقة في مجالِ صناعةِ الـمُحرّكات
والآلات. أمّا في الطّبِّ فقد برع الكثيرُ مِن علمائِنا: فهذا 'ابنُ النّفيس' يُثبت
أنّ الدّمَ يخرجُ مِن القلبِ إلى الرّئتيْن حيث يُنقَّى بالأكسجين ومِن ثَمَّ يعودُ إلى القلبِ مرّةً أخرى ليُضَخَّ إلى أنحاءِ الجسم، وهو
ما يُعرَفُ بالدّورةِ الدّمويّة الصُّغرى. فصَحّحَ بذلك خطأً طبّيّا سادَ قرونا.
أمّا الشّيخُ الرّئيسُ 'ابنُ سينا' الّذي برعَ في الطّبِّ والفلسفةِ وعلمِ الفَلَك،
فقدّم للإنسانيّة أعظَمَ الإسْهامات. مِنها أنّه صنّفَ مئاتِ الأدْوية واكتشفَ
عضلاتِ العينِ الدّاخليّةَ وأنجزَ عمليّاتٍ جراحيّةً متنوّعة وانتبهَ إلى أنّ
الرّجلَ هو المسؤولُ عن جنسِ الجنين ذكورةً أو أنوثة، وهو ما أثبتَه العلمُ
الحديثُ. وحَظِيَ كتاباه 'القَانُونُ فِي
الطِّبِّ' و'كِتَابُ
الشِّفَاءِ' بمكانةٍ عُظمى. وفي الرّياضيّاتِ
كان 'الخوارزميُّ' مؤسِّسَ علم الجَبْرِ الّذي أثّر في تطويرِ علومِ
الرّياضيّات والكيمياءِ والجغرافيا والفلَك والّذي ما زال يُعرَف باسمِه العربيّ
في جميعِ اللّغات الأورُبيّة. واكتشفَ 'الخوارزميّ' الرّقمَ الحياديَّ «الصّفرَ» الّذي ساهم
في تسهيلِ العمليّات الحسابيّة وتَقدُّمِ العلوم الرّياضيّة. ضِفْ إلى ذلك أنّه
وضع عدّةَ بحوثٍ في علميْ الفَلَك والجغرافيا.
إذا كان علماءُ العربِ المسلمين بمثلِ هذا العطاء، فلِـمَ
يتواصلُ الجحودُ والنّكرانُ والتّجاهلُ الّذي يَلقَوْنَه اليومَ مِن الغرب؟
نعتقدُ أنّنا المسؤولُ الرّئيسُ عن هذه الـمَظْلَمَة. إذْ لم نجتهدْ في نفضِ
الغبار عن هذا التّراثِ العلميّ الفذّ، ولم "نُقاتِلْ" مِن أجلِ ردِّ الحقّ إلى أصحابه بالبرهانِ
العقليّ والحجّةِ التّاريخيّة، ولم نُواصلْ مسيرةَ الأجدادِ الرُّوّادِ في
الابتكارِ والاكتشاف والاختراع بما يضعُنا في خانةِ الـمُبْدِعين وينفي عنّا
تُهمةَ 'المستهلكِين'
الهامِشيّين. لقد طالَتْ علينا عصورُ الضُّعفِ والـهَوانِ والانحطاط حتّى بدا
للنّاسِ شرقا وغربا أنّها حالةٌ أصيلةٌ فينا لا خلاصَ مِنها ولا قطِيعةَ معها.
❀ ليس التّذكيرُ بالمساهماتِ العربيّة الإسلاميّة في المجالاتِ
العلميّة المتنوِّعة مِن قبيلِ الـمَنِّ على البشريّة. إنّما الغايةُ مِن ذلك
خدمةُ الحقيقةِ التّاريخيّة أوّلا، واستنهاضُ الهِـمَمِ لدى أبناءِ حضارتنا
ثانيا، والحدُّ مِن الهيمنةِ الغربيّة على نفوسِنا وعقولنا أخيرا وليس آخِرا.
d❀
نقطة
[1] على وُضوحِ
الخطِّ ونَظافةِ الوَرقة ❀c
♣❀❖ عمَـــلا موفّـقا ❖❀♣
|
