2023-11-16

إنتاج كتابيّ: (فقرة تحليليّة)، المحور 1: (في التّفكير العلميّ)، 2023-2024


أستاذة العربيّة: فوزيّة الشّطّي  إنتاج: فقرة تحليليّة

المحور 1 معهد المنتزه 4 تقنية 1 2023-2024

t المنطلقُ:

«أَسْهَمَ العربُ المسلمون في الاخْتراعاتِ العِلميّةِ إسْهامًا جَلِيًّا عندما كانتْ حضارَتُهم قوِيَّةً مَنِيعة مُنفتِحة. وهَزُلت اختراعاتُهم لـمَّا ضعُفتْ حضارتُهم وتفكّكتْ وانغلقتْ. لِـماذا؟».

[الأطروحة المدعومة]:

يُثبتُ التّاريخُ الإنسانيّ أنّ العربَ المسلمين قد أسهموا في الاختراعاتِ العلميّة إسهاما ضخْما عندما كانتْ حضارتُهم قويّةً منِيعة منفتِحة. أمّا عندما آلتْ هذه الأخيرةُ إلى الضّعفِ والتّفكّكِ والانغلاق فقد هزُلتْ اختراعاتُهم حتّى كادتْ تغيبُ. فمَا أسبابُ ذلك؟

[سيرورة الحجاج]:

لـمّا مدّ العربُ المسلمون سلطانَ حضارتهم في ربوعٍ شاسعة اكتسبُوا مناعةً وثِقة في الذّات جعلتْهم لا يخشوْن الآخرَ، إنّما يتعايشون معه ويتعلّمون منه. لذا نشِطت العلومُ والفنونُ والصّنائعُ في عصرهم. فتراكمت المعارفُ. وكانت الاختراعاتُ العلميّة حصيلةً طبيعيّة للبحثِ العلميّ المتشعّب الدّؤوب. ولأنّ العربَ كانُوا حينَها في موقعِ قوّةٍ سياسيًّا وعسكريّا وثقافيّا فإنّهم استثمرُوا نبوغَ علمائِهم وزوّدوهم بما يحتاجون مِن مالٍ وأدواتِ عملٍ. زدْ على ذلك أنّهم استقطبُوا الأدمغةَ مِن الحضاراتِ المجاورة (كالفرس والرّوم والإغريق...) مانِحين إيّاهم ظروفَ البحثِ العلميّ الملائمةَ. وهذا شأنُ كلِّ حضارة قوِيتْ شوكتُها ومنُعتْ ضدّ الأعداءِ وانفتحتْ على الآخر. إذْ تُصبِح فضاءً رحبا للإبداعِ العلميّ والفنّيّ على حدٍّ سواء.

لكنْ عندما ضعفُت الحضارةُ العربيّة الإسلاميّة وتفكّكتْ أوصالُها وانغلقت في وجهِ الوافِدين والـمجدِّدين، تَقلّص مجالُ البحثِ العلميّ أو انعدم. فصارتْ هجرةُ الأدمغةِ نزيفا حادّا يُفرغ بلدانَنا مِن ذوِي الموهبة الفذّة لينتفعَ بهم المنافسون والخصومُ والأعداء. وتكمنُ علّةُ هذا النّزيفِ في أنّ هؤلاء لا يجِدون في بيئتِهم الأصليّة ما يسمحُ بالبحثِ العلميّ وبِتصنيعِ الاختراعات وترويجِها. فيرحلون إلى حيثُ الحفاوةُ والتّشجيعُ وحسنُ الجزاء والأبوابُ الـمُشْرَعَة. والواضحُ أنّ الحضارةَ الّتي يصيبُها الوهنُ والانحلالُ والتّفسّخُ تميلُ عادةً إلى الانغلاقِ على ذاتها رغبةً في إنقاذِ ما يمكن إنقاذُه مِن خصوصيّاتها. وهكذا تنقطعُ صلتُها، أو تكادُ، بركْبِ العلومِ السّائر دوما إلى الأمام بلا توقُّف. حتّى إنّها تخسرُ مستقبلَها دون أن تستطيعَ حمايةَ ماضيها. فالقاعدةُ التّاريخيّة تؤكّد أنّ مَن لا يتقدّمُ فهو يتأخّرُ. بسببِ هذه العِلَلِ المتشابكةِ صِرْنا عالةً على الحضاراتِ المنتِجةِ للعلوم: نستهلكُ ما لا نُنتجُ، ونحصِدُ ما لا نزرعُ، وندفعُ ثمنَ المنتوجاتِ العلميّة أضعافا مضاعفةً.

[الاستنتاج]:

نستنتجُ مِن هذه المقارنةِ الضّدّيّة أنّ العلومَ، تماما كالفنون، هي جزءٌ لا يتجزّأ مِن الكيانِ الحضاريّ الحاضنِ: تُثمِرُ كلّما خصُب، وتَضْمُرُ كلّما أجْدَبَ. فالعلُومُ تقتاتُ مِن باقي المجالات بقدْرِ ما تُثريها وتُنمِّيها.

dعمـــــــــــلا مُـوفَّــــــــــــــــقا c