2021-12-10

الفرض التّأليفيّ 1: (دراسة النّصّ)، المحور 1، (نصّ: مقدّمة ابن خَلدون)، 2021-2022



 أســــتاذة العربـيّة  فوزيّة الشّـــطّي  الفرض التّأليفيّ 1  دراسة النّصّ 

 4 علوم 1  معهد 'المنتزه 2021.12.10 

❀ الفَصْلُ الخَامِسُ وَالثَّلاَثُونَ 

فِي التَّفَاوُتِ بَيْنَ مَرَاتِبِ السَّيْفِ وَالقَلَمِ فِي الدُّوَلِ

اِعْلَمْ أَنَّ السَّيْفَ وَالقَلَمَ كِلاَهُـمَا آلَةٌ لِصَاحِبِ الدَّوْلَةِ يَسْتَعِينُ بِـهَا عَلَى أَمْرِهِ. إِلاَّ أَنَّ الـحَاجَةَ فِي أَوَّلِ الدَّوْلَةِ إِلَى السَّيْفِ، مَا دَامَ أَهْلُهَا فِي تَـمْهِيدِ أَمْرِهِمْ، أَشَدُّ مِنَ الـحَاجَةِ إِلَى القَلَمِ لِأَنَّ القَلَمَ فِي تِلْكَ الـحَالِ خَادِمٌ فَقَطْ مُنَفِّذٌ لِلْحُكْمِ السُّلْطَانِـيِّ وَالسَّيْفُ شَرِيكٌ فِي الـمَعُونَةِ. وَكَذَلِكَ فِي آخِرِ الدَّوْلَةِ حَيْثُ تَضْعُفُ عَصَبِيَّتُــــهَا [...] وَيَقِلُّ أَهْلُهَا بِـمَا يَنَالُـهُمْ مِنَ الـهَرَمِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ. فَتَحْتَاجُ الدَّوْلَةُ إِلَى الاسْتِظْهَارِ بِأَرْبَابِ السُّيُوفِ وَتَقْوَى الـحَاجَةُ إِلَيْهِمْ فِي حِـمَايَةِ الدَّوْلَةِ وَالـمُدَافَعَةِ عَنْهَا كَمَا كَانَ الشَّأْنُ أَوَّلَ الأَمْرِ فِي تَـمْهِيدِهَا. فَيَكُونُ لِلسَّيْفِ مَزِيَّةٌ عَلَى القَلَمِ فِي الـحَالَتَيْنِ. وَيَكُونُ أَرْبَابُ السَّيْفِ حِينَئِذٍ أَوْسَعَ جَاهًا وَأَكْثَرَ نِعْمَةً وَأَسْنَـى إِقْطَاعًا. وَأَمَّا فِي وَسَطِ الدَّوْلَةِ فَيَسْتَغْنِـي صَاحِبُهَا بَعْضَ الشَّيْءِ عَنِ السَّيْفِ لِأَنَّهُ قَدْ تَـمَهَّدَ أَمْرُهُ. وَهْوَ لَـمْ يَبْقَ هَـمُّهُ إِلاَّ فِي تَحْصِيلِ ثَـمَرَاتِ الـمُلْكِ مِنَ الـجِبَايَةِ وَالضَّبْطِ وَمُبَاهَاةِ الدُّوَلِ وَتَنْفِيذِ الأَحْكَامِ. وَالقَلَمُ هُوَ الـمُعِينُ لَهُ فِي ذَلِكَ. فَتَعْظُمُ الـحَاجَةُ إِلَى تَصْرِيفِهِ. وَتَكُونُ السُّيُوفُ مُهْمَلَةً فِي مَضَاجِعِ أَغْمَادِهَا، إِلاَّ إِذَا أَنَابَتْ نَائِبَةٌ [...]. فَتَكُونُ أَرْبَابُ الأَقْلاَمِ فِي هَذِهِ الـحَاجَةِ أَوْسَعَ جَاهًا وَأَعْلَى رُتْبَةً وَأَعْظَمَ نِعْمَةً وَثَرْوَةً وَأَقْرَبَ مِنَ السُّلْطَانِ مَـجْلِسًا وَأَكْثَرَ إِلَيْهِ تَرَدُّدًا وَفِي خَلْوَاتِهِ نَـجِيًّا، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ آلَــتُهُ الَّتِي بِـهَا يَسْتَظْهِرُ عَلَى تَـحْصِيلِ ثَـمَرَاتِ مُلْكِهِ وَالنَّظَرِ إِلَى أَعْطَافِــــهِ وَتَثْقِيفِ أَطْرَافِهِ وَالـمُبَاهَاةِ بِأَحْوَالِهِ. وَيَكُونُ الوُزَرَاءُ وَأَهْلُ السُّيُوفِ حِينَئِذٍ مُسْتَغْنًى عَنْهُمْ، مُبْعَدِينَ عَنْ بَاطِنِ السُّلْطَانِ، حَذِرِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَوَادِرِهِ.

 عبدُ الرّحمان بنُ خَلدون، 'المُقَدِّمَةُ دار الجيل، بيروت 

 ص: 283-284، بتصرّف