فَيَذْهَبُ
[ابْنُ القَارِحِ]، عَرَّفَهُ اللهُ الغِبْطَةَ فِي
كُلِّ سَبِيلٍ. فَإِذَا هُوَ بِبَيْتٍ فِي أَقْصَى الجَنَّةِ، وَفِيهِ رَجُلٌ
لَيْسَ عَلَيْهِ نُورُ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَعِنْدَهُ شَجَرَةٌ قَمِيئَةٌ. فَيَقُولُ: «يَا
عَبْدَ اللهِ، لَقَدْ رَضِيتَ بِـحَقِيرٍ شَقِنٍ».
فَيَقُولُ: «وَاللهِ،
مَا وصَلْتُ إِلَيْهِ إِلاَّ بَعْدَ هِيَاطٍ وَمِيَاطٍ
وَشَفَاعَةٍ مِنْ 'قُرَيْشٍ'».
فَيَقُولُ: «مَنْ
أَنْتَ؟». فَيَقُولُ: «أنَا
الحُطَيْئَةُ العَبْسِيُّ».
فَيَقُولُ: «بِمَ
وَصَلْتَ إِلَى الشَّفَاعَةِ؟».
فَيَقُولُ: «بِالصِّدْقِ».
فَيَقُولُ: «فِي أَيِّ
شَيْءٍ؟». فَيَقُولُ: «فِي
قَوْلِي: 'أَرَى لِـيَ وَجْهًا شَوَّهَ
اللهُ خَلْقَهُ sss فَقُبِّحَ مِنْ
وَجْهٍ، وَقُبِّحَ حَامِلُهْ'».
فَيُخَلِّفُهُ، وَيَـمْضِي. فَإِذَا بِامْرَأَةٍ فِي أقْصَى الجَنَّةِ قَرِيبَةٍ
مِنَ الـمُطَّلَعِ إلَى النَّارِ. فَيَقُولُ: «مَنْ
أَنْتِ؟». فَتَقُولُ: «أنَا
الخَنْسَاءُ السُّلَّمِيَّةُ، أحْبَبْتُ أنْ
أنْظُرَ إلَى 'صَخْرٍ'. فَرَأَيْتُهُ كَالجَبَلِ الشَّامِخ وَالنَّارُ
تَضْطَرِمُ فِي رَأْسِهِ. فَقَالَ لِي: 'لَقَدْ
صَحَّ مَزْعَمُكِ فِيَّ!' يَعْنِي
قَوْلِي: 'وَإنَّ صَخْرًا لَتَأْتَـمُّ
الـهُدَاةُ بِهِ sss كَأَنَّهُ عَلَمٌ فِي رَأْسِهِ نَارُ'».
فَيَطَّلِعُ
[ابْنُ القَارِحِ]. فَيَرَى إبْلِيسَ، لَعَنَهُ اللهُ،
وَهْوَ يَضْطَرِبُ فِي الأَغْلاَلِ وَالسَّلاَسِلِ. فَيَقُولُ: «الحَمْدُ
للهِ الّذِي أمْكَنَ مِنْكَ، يَا عَدُوَّ اللهِ وَأَوْلِيَائِهِ! لَقَدْ
أهْلَكْتَ مِنْ بَنِي آدَمَ طَوَائِفَ لاَ يَعْلَمُ عَدَدَهَا إلاَّ اللهُ».
فَيَقُولُ: «مَنِ
الرَّجَلُ؟».
فَيَقُولُ: «أنَا
فُلاَنٌ بْنُ فُلاَنٍ مِنْ أهْلِ 'حَلَبَ'. كَانَتْ صِنَاعَتِي الأَدَبَ أتَقَرَّبُ بِهِ
إلَى الـمُلُوكِ».
فَيَقُولُ: «بِئْسَ
الصِّنَاعَةُ. إنَّهَا تَهَبُ غُفَّةً مِنَ
العَيْشِ. وَإنَّهَا لَـمَزَلَّةٌ بِالقَدَمِ. وَكَمْ أهْلَكَتْ
مِثْلَكَ. فَهَنِيئًا لَكَ إِذْ نَـجَوْتَ. وإنَّ لِي إلَيْكَ لَـحَاجَةً.
فَإِنْ قَضَيْتَهَا شَكَرْتُكَ».
فَيَقُولُ: «إنِّي لاَ
أقْدِرُ لَكَ عَلَى نَفْعٍ. فَإنَّ الآيَةَ سَبَقَتْ فِي أهْلِ النَّارِ، أعْنِي
قَوْلَهُ تَعَالَى: 'وَنَادَى أصْحَابُ
النَّارِ أصْحَابَ الجَنَّةِ أنْ أفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الـمَاءِ أوْ مِـمَّا
رَزَقَكُم اللهُ، قَالُوا إنَّ اللهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الكَافِرِينَ'» (آية
50:
سورةُ الأعْرَاف). [...].
فَيَقُولُ: «فَمَا
فَعَلَ 'بَشَّارٌ
بْنُ بُرْدٍ'؟ فَإنَّ لَهُ عِنْدِي
يَدًا لَيْسَتْ لِغَيْرِهِ مِنْ وَلَدِ آدَمَ. كَانَ يُفَضِّلُنِي دُونَ
الشُّعَرَاءِ». فَلاَ
يَسْكُتُ مِنْ كَلاَمِهِ إلاَّ وَرَجُلٌ فِي أصْنَافِ العَذَابِ يُغَمِّضُ
عَيْنَيْهِ حَتَّى لاَ يَنْظُرَ إلَى مَا نَزَلَ بِهِ مِنَ النِّقَمِ.
فَيَفْتَحُهُمَا الزَّبَانِيَةُ
بِكَلاَلِيبَ مِنْ نَارٍ. وَإِذَا هُوَ 'بَشَّارٌ
بْنُ بُرْدٍ' قَدْ أُعْطِيَ عَيْنَيْنِ
بَعْدَ الكَمَهِ لِيَنْظُرَ إلَى مَا نَزَلَ
بِهِ مِنَ النَّكَالُ. فَيَقُولُ [ابْنُ القَارِحِ]، أعْلَى اللهُ دَرَجَتَهُ: «يَا
أبَا مُعَاذٍ، لَقَدْ أَحْسَنْتَ فِي مَقَالِكَ. وأَسَأْتَ فِي مُعْتَقَدِكَ.
وَلَقَدْ كُنْتُ فِي الدَّارِ العَاجِلَةِ أذْكُرُ بَعْضَ قَوْلِكَ،
فَأَتَرَحَّمُ عَلَيْكَ ظَنًّا أنَّ التَّوْبَةَ سَتَلْحَقُكَ. الآنَ وَقَعَ
مِنْكَ اليَأْسُ». فَيَقُولُ
'بَشَّارٌ':
«يَا هَذَا، دَعْنِي مِنْ
أبَاطِيلِكَ. فَإنِّي لَـمَشْغُولٌ عَنْكَ».
{ رسالةُ
الغفران: أبو العلاء المعرّي { دار
المعارف {
القاهرة { ط: 10 {
{ صص: 307-313 { (بتصرّف)
{
الشّرح المعجميّ:
- قَمِيئَةٌ: حَقِيرَةٌ، ذَلِيلَةٌ. شَقِنٍ: قَلِيلٍ. هِيَاطٍ
وَمِيَاطٍ: شِدَّةٍ وأَذًى وصِيَاحٍ. الحُطَيْئَةُ
العَبْسِيُّ: شَاعرٌ مُخضْرَمٌ (عاش
بيْن الجاهليّةِ والإسْلامِ) مَتِينُ
الشِّعْرِ مُقذِعُ الهِجَاء. الخَنْسَاءُ
السُّلَّمِيَّةُ: شاعرةٌ مُخضْرَمةٌ، صَاحبةُ الـمَراثِي في أخِيها
صَخْرٍ. غُفَّةً: قِلَّةً، فَضْلَةً. الزَّبَانِيَةُ: مَلائِكةُ العَذَابِ الغِلاَظُ
الشِّدَادُ الـمُوَكَّلُونَ بِدَفْعِ أهْلِ النَّارِ إِلَيْهَا. بَشَّارٌ بْنُ بُرْدٍ: (كُنيتُه:
أبُو مُعَاذ) شاعرٌ
مُـجِيدٌ من القرن 2ه/8م،كانَ
ماجِنًا جَرِيئا مُجدِّدا، قُتِلَ بتُهمَةِ الزَّنْدَقَةِ. الكَمَهِ: العَمَى الّذِي يُولَدُ بِهِ
الإنْسَانُ. النَّكَالُ: العِقابُ.
J{J
1- اِستخرِجْ من النّصِّ جملةَ دُعاءٍ، وحلّلْ معناها: (1،5ن)
......................................................................................
......................................................................................
2- اِشرَحِ الجملَ الـمُسطّرةَ في النّصِّ مُسْتفِيدا مِنَ السّياقِ: (4ن)
- 'أَرَى
لِـيَ وَجْهًا شَوَّهَ اللهُ خَلْقَهُ sss فَقُبِّحَ مِنْ وَجْهٍ، وَقُبِّحَ
حَامِلُهْ' (س.5):
......................................................................................
......................................................................................
- 'لَقَدْ
صَحَّ مَزْعَمُكِ فِيَّ!' (س.8):
......................................................................................
......................................................................................
- وَإنَّهَا
لَـمَزَلَّةٌ بِالقَدَمِ (س.12):
......................................................................................
......................................................................................
- الآنَ وَقَعَ مِنْكَ اليَأْسُ
(س.21):
......................................................................................
......................................................................................
3- ما هي القَضَايا الأدَبيّةُ والدِّينيّةُ الّتي يَطْرحُها النّصُّ
بأسْلوبٍ قَصصِيّ ساخِر: (3ن)
......................................................................................
......................................................................................
......................................................................................
......................................................................................
......................................................................................
4- فازَ ابنُ القَارحٍ، بطلُ هذهِ الرّوايةِ الفَلْسفيّةِ، بالجنّةِ.
فلِمَاذَا جَعلَه 'المعرِّي' يَتطَفّلُ على أهْلِ النّارِ؟ (1،5ن)
......................................................................................
......................................................................................
......................................................................................
5- حَضَرَ في النّصِّ 'الحُطيْئَةُ' و'الخَنْسَاءُ' و'إبليسُ' و'بشّارٌ'. فما الجامِعُ بيْنَ هذه الشَّخْصِيّاتِ؟ (2ن)
......................................................................................
......................................................................................
......................................................................................
......................................................................................
6- أَنْتِجْ فقرةً مِنْ خمسةَ عشَرَ سطْرا [15]
تُحلّلُ
فِيهَا الأطرُوحةَ التّاليةَ مُجِيبًا عَنِ الأَسْئِلَةِ الـمُصَاحِبَةِ: (7ن)
«بِسُخْرِيَةٍ
نَقْدِيَّةٍ لاَذِعَةٍ تَسْرُدُ 'رِسَالَةُ الغُفْرَانِ'
رِحْلَةً خَيَالِيَّةً فِي العَالَـمِ الأُخْرَوِيِّ. أُسْنِدَ فِيهَا دَوْرُ
البُطُولَةِ إِلَى 'ابْنِ القَارِحِ' الَّذِي حَاوَرَ، فِي الجَنَّةِ وَالنَّارِ،
الأُدَبَاءَ وَالشُّعَرَاءَ وَاللُّغَوِيِّينَ وَالجِنَّ وَالحَيَوَانَ نَاقِدًا
وَمُـحَاجِجًا وَمُتَطَفِّلاً وَشَامِتًا».
كَيْفَ تُفَسِّرُ نَشْأَةَ أدَبٍ
فَلْسَفِيٍّ بِـمِثْلِ هَذِهِ الجُرْأَةِ وَالـمَتَانَةِ فِي الحَضَارَةِ
العَربِيَّةِ الإسْلاَمِيّةِ؟ مَا
مَوْقِفُكَ مِنْ هَذِهِ الرِّحْلَةِ فِي الآخِرَةِ؟
لِـمَاذَا انْشَغَلَ الإنْسَانُ دَائِمًا بِعَالَـمِ مَا بَعْدَ الـمَوْتِ، حَسْبَ
رَأْيِكَ؟
......................................................................................
......................................................................................
......................................................................................
......................................................................................
......................................................................................
......................................................................................
......................................................................................
......................................................................................
......................................................................................
......................................................................................
......................................................................................
......................................................................................
......................................................................................
......................................................................................
......................................................................................
......................................................................................
......................................................................................
{
نقطة
[1]
على
وُضوحِ الخطِّ ونَظافةِ الوَرقة v{v عَـــمـــــــلاً
مُـوفَّـــــــــــقًا {
|
{ الإصْلاحُ {
1- اِستخرِجْ من النّصِّ جملةَ دُعاءٍ، وحلّلْ معناها: (1،5ن)
[ملاحظة: يُطالَبُ التّلميذُ
باستخراجِ جملةِ دعاءٍ واحدة. أمّا في حصّةِ الإصْلاح فنستخرجُ جميعَ الجملِ
المناسبة].
-
'عرَّفَهُ اللهُ الغِبْطَةَ فِي كُلِّ
سَبِيلٍ': يدعُو
الرّاوي لابن القارح بأنْ يهَبَه اللهُ السّعادةَ والرّضا حيثمَا حلَّ.
-
'لَعَنَهُ اللهُ':
يدعُو الرّاوي على إبليسَ بأنْ يصُبَّ عليه اللهُ
اللّعْنَ والخِزْيَ والعذابَ.
- 'الحَمْدُ
لِلَّهِ الّذِي أَمْكَنَ مِنْكَ': يدعُو ابنُ القارح شَاكِرا ربّهُ على ما أنزلَه بإبليسَ
مِن انتقامٍ عادلٍ مُستحَقّ.
-
'أعْلَى اللّهُ دَرَجَتَهُ': يدعُو الرّاوي
لابن القارح بأنْ يَرفعَ اللهُ مقامَه في جنّات الخُلْدِ.
2- اِشرَحِ الجملَ الـمُسطّرةَ في النّصِّ
مُسْتفِيدا مِنَ السّياقِ: (4ن)
- 'أَرَى
لِـيَ وَجْهًا شَوَّهَ اللهُ خَلْقَهُ sss فَقُبِّحَ مِنْ وَجْهٍ، وَقُبِّحَ
حَامِلُهْ' (س.5):
Û يَهجُو
الحطيْئةُ خِلْقتَه داعِيا على نفسِه بالبشاعةِ وجْها وفَعالا وبالحرمانِ مِنَ
الفَوزِ بالجنّةِ.
- 'لَقَدْ
صَحَّ مَزْعَمُكِ فِيَّ!' (س.8):
Û اِدّعَى صخرٌ ساخِرا ِبِـمرارةٍ أنّ نبوءةَ أختِه الرّاثية 'الخنساء'
قد صدقتْ. فها هو يصْطلي نارا كما لو أنّه جبلٌ أُشعِلتْ في قمّتِه نارُ القِرى
(الضّيافة) حتّى يهتديَ بها كلُّ تائهٍ أو عابرِ سبيل.
- 'وَإنَّهَا
لَـمَزَلَّةٌ بِالقَدَمِ'
(س.12): Û يرَى إبليسُ أنّ الشّعرَ
الـمدْحيَّ التّكسُّبِـيَّ كثيرا ما يُوقِعُ قائليه في الـمِحنِ مع الممدوحِين.
ثمّ إنّه مَذلّةٌ للشّاعرِ الّذي يظلُّ يتسوّل العطايَا الحقيرةَ مِنْ بِلاطٍ
إلى آخر.
- 'الآنَ
وَقَعَ مِنْكَ اليَأْسُ'
(س.21): Û يَشمتُ ابنُ القارح بالشّاعرِ
بشّارٍ بنِ بُرد زاعما أنّ حالَه صارتْ ميؤوسا منها. فلا نجاةَ له مِنَ السّعير،
ما دامَ قدْ ضيّعَ فرصةَ التّوبةِ في دُنياه.
3- ما هي القَضَايا الأدَبيّةُ والدِّينيّةُ
الّتي يَطْرحُها النّصُّ بأسْلوبٍ قَصصِيّ ساخِر: (3ن)
يطرحُ النّصُّ بأسلوبٍ
قصصيّ ساخر عديدَ القضايا الأدبيّة والدّينيّة والفلسفيّة. منها: ما مدَى صدقِ
الشّاعر راثيا كان أو مادحا؟!
كيف التّمييزُ بين الصّدقِ الواقعيّ والصّدق
الفنّيّ؟!
أليسَ الغرضُ المدْحيُّ مَهانةً للشّعر وإذلالا للشّاعر؟! هل يُحاسَب
الشّعراءُ على نصوصِهم الإبداعيّةِ محاسبةَ المذنِبين على أفعالهم؟! هل تجوزُ
الشّفاعةُ (الوساطةُ) يومَ القيامة؟!
هل يتحمّلُ إبليسُ وحدَه ذنوبَ الآدميّين؟! أليسَ البشرُ
العُقلاءُ المكلَّفون مسؤولين عن أفعالِهم؟!
هل الحكمُ بالجنّة أو الجحيم نهائيٌّ ولا رِجعةَ
فيه؟!
أفي الجنّةِ والجحيم درجاتٌ متفاوتةٌ على قدْرِ أفعالِ المخلَّدين فيهما خيرا أو
شرّا؟!...
4- فازَ ابنُ القَارحٍ، بطلُ هذهِ الرّوايةِ
الفَلْسفيّةِ، بالجنّةِ. فلِمَاذَا جَعلَه 'المعرِّي' يَتطَفّلُ على أهْلِ النّارِ؟ (1،5ن)
جعل المعرّي ابنَ
القارحِ الفائزَ بالجنّة يتطفّلُ على أهل النّار كيْ يستعرضَ علينا أصنافَ
المحكومِ عليهم بالعذاب الجحيميّ ويُفسّرَ سببَ المصير الّذي نالوه. ثمّ إنّه
جعل بطلَه يستفزُّ الخالدين في السّعير حتّى يتجادلَ معهم في شتّى القضايا
الأدبيّة والدّينيّة والفلسفيّة. فابنُ القارح أداةٌ فنّيّةٌ، سياقُها قصصيٌّ
ساخر، وغايتُها فكريّةٌ نقديّة.
5- حَضَرَ في النّصِّ 'الحُطيْئَةُ' و'الخَنْسَاءُ' و'إبليسُ' و'بشّارٌ'. فما الجامِعُ بيْنَ هذه الشَّخْصِيّاتِ؟ (2ن)
اِختار الرّاوي شخصيْن
مِن أهل الجحيم واثنيْن مِن أهل النّعيم حتّى يستعرضَ الفرقَ بين أحوالهم. ثمّ
إنّ الحُطيئةَ والخنساءَ وبشّارًا جميعَهم مِنَ الشّعراء الـمُجيدين. أمّا
إبليسُ فهو شيطان قُدَّ من نارٍ ويُتّهَم دائما بأنّه يوسوسُ في صدور النّاسِ
بفعل الشّرّ. وقد آمن العربُ قديما بأنّ لكلِّ شاعرٍ مبدع 'شيطانٌ خاصّ' يُلهمُه
الشّعرَ ويلاحقُه كالتّابعةِ (الجنّيّة) حيثما ذهب. لقد حارَ النّاسُ في شأنِ
الإلهام الأدبيّ. فنسبُوه إلى كائناتٍ غيرِ مرئيّة. واعتبرُوا الشّعراءَ مجرّدَ
ناقلٍ لِـما أُوحِيَ به إليْهم.
6- أَنْتِجْ فقرةً مِنْ خمسةَ عشَرَ سطْرا [15]
تُحلّلُ
فِيهَا هذه الأطرُوحةَ مُجِيبًا عَنِ الأَسْئِلَةِ الـمُصَاحِبَةِ: (7ن)
«بِسُخْرِيَةٍ
نَقْدِيَّةٍ لاَذِعَةٍ تَسْرُدُ 'رِسَالَةُ الغُفْرَانِ'
رِحْلَةً خَيَالِيَّةً فِي العَالَـمِ الأُخْرَوِيِّ. أُسْنِدَ فِيهَا دَوْرُ
البُطُولَةِ إِلَى 'ابْنِ القَارِحِ' الَّذِي حَاوَرَ، فِي الجَنَّةِ وَالنَّارِ،
الأُدَبَاءَ وَالشُّعَرَاءَ وَاللُّغَوِيِّينَ وَالجِنَّ وَالحَيَوَانَ نَاقِدًا
وَمُـحَاجِجًا وَمُتَطَفِّلاً وَشَامِتًا».
كَيْفَ تُفَسِّرُ نَشْأَةَ أدَبٍ
فَلْسَفِيٍّ بِـمِثْلِ هَذِهِ الجُرْأَةِ وَالـمَتَانَةِ فِي الحَضَارَةِ
العَربِيَّةِ الإسْلاَمِيّةِ؟ مَا
مَوْقِفُكَ مِنْ هَذِهِ الرِّحْلَةِ فِي الآخِرَةِ؟
لِـمَاذَا انْشَغَلَ الإنْسَانُ دَائِمًا بِعَالَـمِ مَا بَعْدَ الـمَوْتِ،حَسْبَ
رَأْيِكَ؟
| أبدعَ الشّاعرُ المتفلسِفُ، أبو
العلاء المعرّي، نصَّه القصصيَّ 'رسالةُ الغفرانِ' ناقِلا رحلةً خياليّة في الآخرةِ. وقد أسندَ فيها دورَ البطولةِ
إلى 'ابنِ القارح' الّذي تنقّل بين الجنّة والنّار
مُحاوِرا الأدباءَ والشّعراءَ واللّغويّين والجنَّ والحيوانَ ناقِدا ومُحاجِجا
ومتطفّلا وشامتا. فجاء الكتابُ نموذجا أدبيّا فريدا مِنْ نوعه منذ ق4ه/ق10م
إلى يومنا هذا.
| لقد قدرتْ الحضارةُ العربيّة
الإسلاميّة أن تُنتجَ نصّا أدبيّا بمثلِ هذا العمقِ الفلسفيّ والجرأةِ الفنّيّة
لأنّها كانت في أوجِ نشاطِها وقوّتها وثرائها. فتمازُجُ الشّعوبِ المتمايزة
وتداخلُ الثّقافات المتباينة وتجاورُ المعتقدات المتنوّعة، كلُّها عوامل تنمّي
الإنتاجَ الأدبيّ والفنّيّ وتُجدّدُ أساليبَه ومضامينَه. لقد استفاد المعرّي من
عصره: فاستوعبَ مشاغلَ مجتمعه لِيُخرجَها أدبا ساخرا ناقدا مفكِّرا، يُسلّي
قارئَه بقدر ما يستفزُّه ويدعوه إلى إعمال العقل. هكذا استغلّ الرّحلةَ في
العالم الأخرويّ ليعرضَ القضايا الأدبيّةَ والدّينيّة المعقّدةَ والخلافيّةَ
بواسطة شخصيّة متطفّلةٍ ثقيلةِ الفهم عقيمةِ الحسّ.
إنّي لَأجدُ هذه الرّحلةَ ممتعةً ومُفيدة. فهي خيالٌ أدبيّ قريب
من واقع خاصّةِ النّاس وعامّتِهم زمنَ الكاتب وزمنَنا أيضا. هذا لأنّ عديدَ
القضايا المطروحة رمزيّا في مغامرات 'البطل' المتطفِّل الشّامت المتباهِي ما تزال حاضرة في عقول مُعاصرِينا
بنفس القوّة تقريبا. فـ'الذّاتُ الإلهيّة' و'القيامةُ' و'الجنّةُ والنّار' وما شابهَ كانتْ، وما تزال، مشغلاً رئيسا للإنسان في كلِّ
العصور. ربّما كان ذلك لأنّ عالمَ ما بعد الموتِ ظلَّ غامضا مجهولا مُحيِّرا.
وابنُ آدم طُلَعَةٌ مجبولٌ على التّفكير وطرحِ الأسئلة والتّفانِي في إيجاد
الأجوبة. ولأنّ العالمَ الأخرويَّ قد أعْجزَ العقلَ البشريّ، فقد أُطلِقَ
العنانُ للخيال كي يصوّرَ المجهولَ ويقولَه أدبا، عساه يُرضِي بعضا من الفضول
البشريّ اللاّمتناهي.
| بهذا المعنى نعتقد أنّ 'رسالةُ الغفران' ليستْ أدبا عربيّا إسلاميّا محضا.
إنّما هي منجَزٌ إنسانيّ استثمر هواجسَ الأقدمِين بقدرِ ما استلهمَ مشاغلَ
المعاصرين. ففيها مزيجٌ طريفٌ مِنْ أساطير اليونان والرّومان والفراعنة وغيرهم
ومِنَ 'الكوميديا الإلهيّة' للأديب الإيطاليّ 'دانتي ألغييري' Dante Alighieri.
{
نقطة
[1]
على
وُضوحِ الخطِّ ونَظافةِ الوَرقة v{v عَـــمــــــــلاً
مُـوفَّــــــــــقًا {
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق