إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

2021-10-10

إنتاج كتابيّ: (تفسيرُ قولة أفلاطون)، محور 1: (في التّفكير العلميّ)، 2021-2022




d أستاذة العربيّة: فوزيّة الشّطّي إنتاجُ فقرة تفسيريّة المحور 1 c

d في التّفكير العلميّ 4 علوم 1 معهد المنتزه الكبّاريّة 2025-2026 c

-      المنطلق:

فسّرْ هذا القولَ في فقرة مسترسلة: قال أفلاطون: «إنَّ الـحَقَّ لَـمْ يُصِبْهُ النَّاسُ فِي كُلِّ وُجُوهِهِ، بَلْ أَصَابَ مِنْهُ كُلُّ إِنْسَانٍ جِهَةً». (الكتاب المدرسيّ، نصّ: نسبيّةُ المعرفةِ الحسّيّة، ص: 19).

-      التّطبيق: فقرة تفسيريّة (مقدّمة، جوهر، خاتمة):

يَزعُم 'أفلاطون'، الفيلسوفُ اليونانيّ ومؤسّسُ أكاديميّة أثينا الّذي عاشَ بين القرنيْن الرّابع والخامس قبل الميلاد (4-5ق.م) أنّ «الـحقَّ لم يُصبْه النّاسُ في كلِّ وجوهه، بل أصابَ مِنه كلُّ إنسانٍ جهةً». فما يقصدُ بهذه الحكمة؟

يتضمّنُ هذا القولُ الإقرارَ الأفلاطونيّ بأنّ حيازةَ الحقيقةِ العلميّة الكاملة أمرٌ مستحيلٌ بالنّسبة إلى الإنسان. إذْ يتعذّر على أيِّ شخص، مهما كان رسوخُه في العلم وأيّا تكُنْ كفاءتُه العقليّة وخبرتُه العَمليّة، أن يبلغَ درجةَ الكمال المعرفيّ. هذا لأنّ المعارفَ لا حصرَ لها. أمّا العقلُ البشريّ فمحدودٌ. فهل يقدر إنسانٌ قصيرُ العمر أن يستوعبَ كلَّ ما يَـجِدُّ في الكونِ الفسيحِ المديدِ العمر؟! إنّ الباحثين المتعاقبِين، مهما استفادُوا مِن الخبراتِ المتراكِمة، لا يُحصِّلون مِن العلمِ إلاّ قليلا. لِذلك أشارَ أفلاطون إلى أنّ الحقيقةَ متعدّدةُ الوجوه متفرّعةُ الأشكال متشعّبةُ السّبل متشابِكةُ الفروع متجدِّدةٌ حسَب تنوّعِ الأزمنةِ والأمكنة والأممِ والأحوال. فإنْ أمسكَ أحدٌ بوجهٍ منها، أفلتتْ مِنه حتْما بقيّةُ الوجوه. فالحقُّ العلميّ، حسَب أفلاطون، كالبحر الّذي لا يُحيط به فردٌ أو أمّةٌ أو حضارة. إنّـما يُصيب كلُّ باحثٍ قطرةً مِن مياهِه الزّاخرة وكنوزِه الخفيّة. ويُساهمُ كلُّ مكسبٍ علميّ جديد في تعبيدِ الطّريق لِلطّامحين إلى لذّةِ المعرفة اليقينيّة حتّى وهي نسبيّةٌ، أيْ منقوصةٌ ومؤقّتة. يعني ذلك أنّ الحقائقَ العلميّة الحاصلة تظلّ غيْضا مِن فيْض.

وقد أقرَّ العلمُ الحديث هذا الرّأيَ الفلسفيَّ عندما اعتبرَ النّسبيّةَ مبدأً عامّا يصدقُ على العلومِ الصّحيحةِ (الفيزياء، الرّياضيّات، الطّبّ..) والإنسانيّةِ (الفلسفة، علم النّفس، علم الاجتماع..) على السّواء. وهذه النّسبيّةٌ تفرضُ سلطانَها على المجالاتِ العلميّة المتمايِزة والأجيالِ المتعاقِبة والحضارات المتنوّعة. والدّليلُ أنّ كثيرا مِـمّا اعتُبر حقيقةً علميّة في عصرٍ مَا، ثبَت بُطلانُه في عصرٍ لاحق. حسْبُنا شاهدا الاعتقادُ في 'نموذجِ مركزيّة الأرض'. وهو اعتقادٌ ساد منذ اليونانِ القديمة إلى أنْ خطّأه، أوائلَ القرن 17م، عالِمُ الفلكِ والفيزياء الإيطاليُّ 'غاليليو غاليلي' [1564-1642] الّذي بيّنَ أنّ الأرضَ هي الّتي تدورُ حول الشّمس. خلاصةُ القول أنّ إصابةَ الحقيقة طُموحٌ بشريّ بدأ منذ الأزلِ وسيستمرّ إلى الأبد. وقد جسّد الشّاعرُ العبّاسيّ المجدِّد 'أبو نَوّاس' (ق2ه) هذا العجزَ الإنسانيَّ عن الإحاطة بالحقِّ الكامل في تعبيرٍ مجازيّ ساخر هو:

«قُلْ لِـمَنْ يَدَّعِي فِي العِلْمِ فَلْسَفَةً ... حَفِظْتَ شَيْئًا وَغَابَتْ عَنْكَ أَشْيَاءُ».

إنّ هذه الحكمةَ الأفلاطونيّة قديمةٌ زمانا حديثةٌ معنى. وهي تتجاوز حدودَ الفلسفة لتشملَ جميعَ مجالات الفكر الإنسانيّ على مرِّ التّاريخ. وتجسّدُ دليلا عقلانيّا على أنّ سعيَ البشر سيبقى حثيثا، رغم سيْلِ الخيْبات والنّكَسات، نحوَ بلوغِ أقصى ما يمكن مِن الحقيقة العلميّة الّتي نريدُها أن تطفئَ فينا حُرقةَ الشّكّ وتَـمنحَنا بردَ اليقين.

wvw

 

هناك تعليق واحد:

Faouzia Chatti فوزيّة الشّطّي يقول...

لا يُطلَب من التّلميذ إنجازُ فقرة بكلّ هذا الطّول. أمّا في الدّرس الجماعيّ فيُستحسَن التّوسّعُ قدر الإمكان لإثراء زاد المتعلِّمين معرفيّا.