❀ أسـتاذة العربـيّة ❀ فوزيّة الشّـــطّي ❀ الفرض التّأليفيّ 1 ❀ دراسة النّصّ ❀ ❀ معهد المنتزه ❀ 4 علوم 1 ❀ 2022.12.13 ❀ |
إِنَّ حَرَكَةُ التَّرْجَـمَةِ فِي الـحَضَارَةِ العَرَبِيَّةِ الإِسْلاَمِيَّةِ كَانَتْ بِـمَثَابَةِ شَرْيَانٍ حَيَوِيٍّ هَامٍّ. إِذْ مَدَّهَا بِـحِكْمَةِ الصِّينِ وَالـهِنْدِ وَإِيرَانَ وَثَقَافَةِ اليُونَانِ وَالرُّومَانِ عِلاَوَةً عَلَى مَذَاهِبِ التَّصَوُّفِ الشَّرْقِيَّةِ القَدِيـمَةِ وَعَقَائِدِ الرَّهْبَانِيَّةِ الـمَسِيحِيَّةِ وَغَيْرِهَا. وَمِنْ خِلاَلِ هَذَا التَّلاَقُحِ الـمُتَنَوِّعِ انْفَرَدَتِ الـحَضَارَةُ العَرَبِيَّةُ الإِسْلاَمِيَّةُ بِطَابَعِهَا الـخَاصِّ. [...]. لَـمْ تَبْدَأِ التَّرْجَـمَةُ بِشَكْلِهَا العِلْمِيِّ إِلاَّ فِي العَصْرِ الأُمَوِيِّ. فَبَدَأَتْ فِيهِ بِنَقْلِ بَعْضِ العُلُومِ إِلَى العَرَبِيَّةِ. وَكَانَ خَالِدٌ ابْنُ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ (ت: 85ه/ 704م) الـمُلَقَّبُ بِحَكِيمِ آلِ مَرْوَانَ، عِنْدَمَا أُبْعِدَ عَنِ الـخِلاَفَةِ، اِتَّـجَهَ صَوْبَ العِلْمِ وَاهْتَمَّ بِالكِيمْيَاءِ لِرَغْبَتِهِ الشَّدِيدَةِ فِي تَـحْوِيلِ الـمَعَادِنِ إِلَى ذَهَبٍ. فَأَمَرَ بَعْضَ عُلَمَاءِ اليُونَانِ الَّذِينَ كَانُوا فِي الإِسْكَنْدَرِيَّةِ أَنْ يَنْقُلُوا لَهُ مِنَ اليُونَانِيَّةِ إِلَى العَرَبِيَّةِ كُتُبَ الكِيمْيَاءِ. وَلَيْسَ انْتِقَالُ الـخِلاَفَةِ مِنَ الأُمَوِيِّينَ إِلَى العَبَّاسِيِّينَ مُـجَرَّدَ انْتِقَالٍ فِي قِيَادَةِ دَوْلَةِ الـمُسْلِمِينَ. إِنَّـمَا كَانَ أَيْضًا انْتِقَالاً إِلَى عَقْلِيَّةٍ حَضَارِيَّةٍ أَرْقَى. وَكَانَ الـمَنْصُورُ (ت: 158ه/ 775م) وَهَارُونُ الرَّشِيدُ (ت: 193ه/ 809م) مِنْ أَكْبَرِ الـخُلَفَاءِ العَبَّاسِيِّينَ تَشْجِيعًا لِنَشْرِ الـمَعْرِفَةِ. [...] ثُـمَّ بَلَغَتِ التَّرْجَـمَةُ عَصْرَهَا الذَّهَبِـيَّ فِي عَهْدِ الـخَلِيفَةِ الـمَأْمُونِ (ت: 218ه/ 833م) الَّذِي كَانَ عَالِمًا وَكَانَ يُرْسِلُ البَعْثَاتِ العِلْمِيَّةَ لِـجَلْبِ العُلُومِ مِنْ مَوَارِدِهَا الأَصْلِيَّةِ فِي أُمَّهَاتِ الكُتُبِ. وَعِنْدَمَا انْتَصَرَ عَلَى مَلِكِ الرُّومِ "تِيُوفِيلُوس" عَامَ 830م، كَانَ مِنْ بَيْنِ شُرُوطِهِ عَلَى وَقْفِ القِتَالِ الـحُصُولُ عَلَى كُتُبِ الفَلْسَفَةِ وَالعُلُومِ كَجُزْءٍ أَسَاسِيٍّ مِنْ غَنَائِمِ الـحَرْبِ. وَكَذِلِكَ حَدَثَ مَعَ حَاكِمِ قُبْرُصَ عِنْدَمَا طَلَبَ الـهُدْنَةَ. فَـــــقَدْ فَرَضَ عَلَيْهِ الـمَأْمُونُ أَنْ يُسَلِّمَ "خِزَانَةَ كُتُبِ اليُونَانِ" [...]. ضِفْ إِلَى ذَلِكَ إِنْشَاءَ "بَيْتِ الـحِكْمَةِ" عَامَ (170ه/ 786م) فِي عَهْدِ الرَّشِيدِ. وَهْوَ البَيْتُ الَّذِي وَصَلَ إِلَى ذُرْوَتِهِ فِي عَهْدِ ابْنِهِ الـمَأْمُونِ. إِذْ جَـمَعَ فِيهِ عَشَرَاتِ الـمُتَرْجِـمِينَ مِنْ بُلْدَانٍ عِدَّةٍ لِيَعْمَلُوا ضِمْنَ جَامِعَةٍ عِلْمِيَّةٍ كُبْرَى. [...] وَهَكَذَا أَصْبَحَ "بَيْتُ الـحِكْمَةِ" أَوَّلَ جَامِعَةٍ فِي بَغْدَادَ وَأَعْظَمَ مَكْتَبَةٍ فِي العَالَـمِ الإِسْلاَمِيِّ تَرْعَاهَا الدَّوْلَةُ. إِذْ يَـجْتَمِعُ فِيهَا العُلَمَاءُ وَالفَلاَسِفَةُ لِلدَّرْسِ وَالـمُنَاظَرَةِ، وَيَؤُمُّهَا الطُّلاَّبُ وَالبَاحِثُونَ مِنْ مُـخْتَلَفِ الأَوْطَانِ وَالأَمْصَارِ الإِسْلاَمِيَّةِ. بَلْ هِيَ أَوَّلُ نِبْرَاسٍ يَنْتَقِلُ فِيهِ الفِكْرُ وَالعِلْمُ مِنَ الاسْتِمَاعِ إِلَى الاِجْتِهَادِ، وَمِنَ التَّرْجَـمَةِ إِلَى التَّأْلِيفِ. وَبِذَلِكَ انْطَلَقَ الفِكْرُ فِي العَالَـمِ الإِسْلاَمِيِّ لِيَصِلَ فِيمَا بَعْدُ إِلَى أَعْلَى دَرَجَاتِ الاِزْدِهَارِ العَقْلِيِّ. ❀ د. عماد الدّين الجبوري ❀ شبكة البصرة ❀ 2013.11.18 ❀ بتصّرف ❀ https://www.albasrah.net/ar_articles_2013/1113/3emadin_181113.htm |
مدوّنة فروض ودروس للسّنة الرّابعة من الشّعب العلميّة في التّعليم التونسيّ.
2022-12-13
الفرض التّأليفيّ 1: (دراسة النّصّ)، المحور 1، (نصّ: عماد الدّين الجبوري)، الإصلاح، 2022-2023
الإصـــلاح
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق